صحيفة هتون الإلكترونية - 4/21/2024 1:12:12 PM - GMT (+3 )
قصة الرفاق الأربعة
كَانَ لِأَحَدِ الفَلَاحِينَ حِمَارٌ قَضَى مَعَهُ دَهْرًا مِنَ جار الزَّمَنِ، يَسْتَعْمِلُهُ فِي حَمْلِ أَثْقَالِهِ، وَذَاتَ يَوْمٍ ضَعُفَ الحِمَارُ وَسَقَطَ أَرْضًا تَحْتَ حِمْلِ الأَكْياسِ، عَلِمَ الفَلَاحُ أَنَّ حِمَارَهُ هَرِمَ ولَم يَعُد يَنْفَعُهُ فِي عَمَلِهِ، فَقَرَّرَ أَنْ يَبِيعَهُ إِلَى حَدِيقَةِ الحَيَوَانَاتِ لِتُقَدِّمَهُ طَعَامًا لِلْأُسُودِ وَالصَّبَاعِ تَألَمُ الحِمارُ لِأَنَانِيَةِ الإِنْسَانِ.
أَلَمْ يكُن مِنْ حَقْهِ أَنْ يَبْقَى مُكَرَّمًا حَتَّى يَمُوتَ فِي مَزْرَعَةٍ وُلِدَ فِيهَا . وَقَضَى عُمْرَهُ في خِدْمَتِهَا. فَرَّ الحمارُ مِنْ مَوْتِ مُحَقَّق وَنَهَايَة مُؤْسِفَةٍ، وَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ وَجَدَ كَلْبًا يَلْهَثْ وَلَا يتحرك.
حَيَّاهُ وَسَأَلَهُ مَا الذي يَفْعَلْهُ وَحِيدًا؟ تَكَلَّمَ الكلب في حُزْنِ ظَاهِرٍ وَأَخْبَرَ الحِمارَ أَنَّهُ نَجَا بِأَعْجُوبَةٍ لَمَّا هَمْ صَاحِبُ البَيْتِ بِضَرْبِهِ بَعْدَ أَنْ سَرَقَ اللصُوصُ بَيْتَهُ وَلَمْ يتنبه لهم.
كان الكلبُ حَزِينًا لِطَرْدِهِ مِنْ بَيْتٍ وُلِدَ فِيهِ وَحَرَسَهُ طُول حياته.
مَشَى الصَّدِيقَانِ بِهُدُوءٍ حَتَّى لَقِيَا قِطًا طَرِدَ هُوَ أَيْضًا مِنْ بَيْتٍ كَانَ فِيهِ نَشِيطًاً مُهَابًا ، فَلَمَّا هَرِمَ تَجَرَّأَ عَلَيْهِ الفِئْرَانُ فَطَرَدَهُ صَاحِبُ البَيْتِ.
سَارَ الثَّلَاثَةُ حَتَّى لَقُوا دِينًا يَصِيحُ بِصَوْتٍ لا يَكَادُ يُسْمَعُ قَصَّ عَلَيْهِم قِصَةً تُشْبِهُ مَا وَقَعَ لَهُمْ مَعَ مَالِكِيهِمْ. هَكَذَا وَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الْأَلِيفَةِ الأَرْبَعَةِ فِي أَصْدِقَائِهِ سَنَدًا فَقَرَّرُوا أَنْ يَتَعَاوَنُوا قَصَدَ الرِّفَاقُ الأَرْبَعَةُ الغَابَةَ.
مَشَى أَرْبَعَتُهُم حَتَّى تَعِبُوا وَأَخَذَ مِنْهُمُ الجُوعُ مَأْخَذًا.
آووا إِلَى شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، أَلْقَى الحِمَارُ بِجِسْمِهِ الهَزِيلِ عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الكَلْبُ وَالهرُ، أَمَّا الديك فَقْدِ اعْتَلَى غُصْنًا وَأَخَذَ يَرْقُبُ المَكَانَ.
فَجْأَةً صَاحَ الدِّيكُ لِرِفَاقِهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ ضَوْءًا، أَرَادَ الرِّفَاقُ أَنْ يَعْرِفُوا مَصْدَرَهُ فَاتَّجَهُوا نَحْوَهُ.
وَجَدَ الرِّفَاقُ الأَرْبَعَةُ بَيْتًا. أَطَلُّوا مِنَ النَافَذِةِ فَعَجِبُوا لِمَا رَأَوا: رِجَالٌ مُجْتَمِعُونَ عَلَى طَاوِلَةٍ مُزْدَانَةِ بِأَشْهَى الأَطْعِمَة.
عَلِمَ الرِّفَاقُ أَنَّ البَيْتَ يَلْجَأُ إِلَيْهِ لُصُوصٌ ، فَأَخَذُوا يَتَخَافَتُونَ حَوْلَ خُطَّةٍ لِطَرْدِهِم وَالاسْتِيلاء عَلَى البَيْتِ وَالطَّعَامِ. أَطَلُّوا جَمِيعُهُم مِنَ النَّافِذَةِ وَصَاحَ كُلُّ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : نَهَقَ الحِمَارُ، وَنَبَحَ الكَلْبُ، وَمَاءَ الهُرُ، وَصَاحِ الدِّيك …
اخْتَلَطَتِ الْأَصْوَاتُ عَلَى اللُّصُوصِ فَقَالُوا أَنْ أَمْرَهُم كَشِفَ وَفَرُّوا هاربين.
اسْتَوَلَى الرِّفَاقُ الأَرْبَعَةُ عَلَى المَكَانِ، وَرَاحَ كُلٌّ مِنْهُم يَتَنَعْمُ بِمَا أَحَبُّ وَاشْتَهَى مِنَ الطَّعَامِ.
قَالَ الهِرُّ : لَكُمْ اشْتَهَيْتُ أَكُلَ السَّمَكِ، كُنْتُ لَا أَفُوزُ مِنْهُ إِلَّا بِبَوَاقِي العِظَامِ، ثُمَّ انْقَضَّ عَلَى سَمَكَةٍ يَتَلَقَّذُ بِأَكْلِهَا فِي شَرَاهَةِ الحِمَارُ يَأْكُلُ الْأَعْشَابَ لَمْ يَكُنْ جوْعَانًا مِثْلَ أَصْدِقَائِهِ، أَخَذَ جَزَرًا يَأْكُلُهُ فِي ارْتِيَاحِ كَبِيرٍ الكَلْبُ كَانَ يَأْكُلْ فِي هُدُوءٍ، انْقَضَ عَلَى فَخِذِ مِنْ لَحْمِ الدَّجَاجِ تَنَعْمَ بأكله أما الديك فلم يكُن مُرْتَاحًا.
انْتَصَبَ الدِّيكُ عَلَى النَّافِذَةِ وَمِنْقَارُهُ يَعْمَلُ فِي نَتْفِ حَبَّاتِ الدُّرَة وَعَيْنُهُ إِلَى بَعِيدٍ، عَلَّ اللُّصُوصَ يَعُودُونَ إِلَيْهِم فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِم مُتْعَتَهُم.
فر اللصوص وقد ظنوا أن عفاريت وكَائِنَاتِ غَرِيبَة احْتَلْتِ المكانَ وَدَخَلُوا الغابة.
لما تقدم اللَّيْلَ وَاشْتَدَ البرد فكر النصوص في العودة إلى البَيْتِ فَأَرْسَلُوا أَحَدَهُمْ عَنْهُ يَأْتِيهِم بالخبر اليقين.
وَجَدَ اللصُّ البَابَ مَفْتُوحًا وَأَبْصَرَ شَيْئًا يَلْمَعُ في المدفأة وحسِبَهُ جَمْرَةً، فَأَرَادَ أَنْ يُوقِدَ نَارًا ليُنير البيت.
مَنْ يَدَهُ إِلَيْهِ فَخَدَشَهُ شَيْءٌ غريب لم يُدرك حقيقته وتراجع خَائِفًا فَعَضَهُ الكلب وجرح رجلة، أصابه الهلع فخرج من البيت وإِذَا بالحِمَارِ يُشبعُه ضربًا بحوافره الخلفية.
عاد الله إلى أصْحَابه وَهُوَ يَهْذِي وَيُحذِّرُهُم مِن العودة إلى البيت لأن العفاريت سكنته.
خلا الجو للرفاق الأربعة، فابتهجوا وَرَاحُوا يَرْقُصُونَ وَيُغْنُونَ، ويَعْرزفُونَ الموسيقى.
اقرأ المزيد من الموضوعات على صحيفة هتون الدولية من هنا.
إقرأ المزيد