النجوم العالميون يعيدون تشكيل السلوك والوعي
جريدة الرياض -

الدقائق العائق الأبرز أمام اكتمال التحوّل

التحوّل الأعمق.. يبدأ خارج الملعب

المنتخب الوطني.. المستفيد الأول

كان الضباب لا يزال يغطي أطراف الملعب حين دخل لاعب سعودي شاب إلى التدريب وهو يظنّ أنه أول من حضر، غير أن المشهد تغيّر تمامًا حين لمح كريستيانو رونالدو يجري وحده في الجهة الأخرى، يعيد التمرين ذاته ويقيس مؤشرات الأداء بجهاز مربوط بمعصمه، يقول اللاعبون لاحقًا إن تلك اللحظة، رغم هدوئها، كانت الشرارة التي جعلتهم يدركون أن الاحتراف ليس نظامًا تدريبيًا فحسب، بل هو طريقة حياة تبدأ قبل أن يصل المدرب وتنتهي بعد مغادرته.

كان ذلك المشهد مدخلًا لتحوّل أكبر عاشه اللاعب السعودي منذ قدوم النجوم العالميين؛ تحوّل لم يغيّر شكل التمارين فقط، بل غيّر فهم اللاعب لدوره، ووعيه، ومسؤوليته، وطبيعة يومه، ومن هذه النقطة بدأت قصة "العقلية الجديدة" للاعب المحلي.

عقلية الاحتراف.. حين تتغير طريقة النظر إلى اللعبة

منذ وصول النجوم إلى دوري "روشن"، تحوّل الاحتراف من مفهوم نظري إلى ممارسة يومية يتلقاها اللاعب السعودي من خلال المشاهدة المباشرة، ولم يعد الانضباط مجرد التزام لائحة، بل أصبح ثقافة يتعلمها اللاعب من قدوات أمامه، وهذا ما أشار إليه عبدالإله العمري حين قال إن وجود رونالدو "غيّر التفاصيل داخل الفريق"، في تعبير يعكس أن التأثير لم يكن متعلقًا بأداء فردي، بل ببيئة كاملة ترفع منسوب الجدية.

لقد وجد اللاعب السعودي نفسه أمام نموذج مختلف؛ نموذج يرى أن الاحتراف يبدأ من جودة النوم، ويستمر في انتظام الوجبات، ويتجلى في استشفاء محسوب، ويتأكد في جلسات التقييم الذاتي؛ لم تعد كرة القدم بالنسبة له مباراة تُلعب، بل منظومة تحتاج إلى إدارة دقيقة ووعي مستمر، وهنا ظهر الفارق الحقيقي، الانتقال من لاعب تتشكل جاهزيته في التدريب إلى لاعب تتشكل جاهزيته في حياته كلها.

التدريب.. مساحة لتشكيل الوعي قبل تشكيل المهارة

هذا التغيير في العقلية انعكس مباشرة على طبيعة التدريب داخل الأندية؛ فقد أصبح التدريب مساحة للتعامل مع التفاصيل التي تصنع الفارق، مثل وضعية الجسد عند استلام الكرة، سرعة اتخاذ القرار تحت الضغط، دقة التمركز بين الخطوط، القدرة على قراءة الفراغات والتحرك داخلها، والتعامل مع الحركة دون كرة بوصفها عنصرًا تكتيكيًا لا يقل أهمية عن امتلاك الكرة.

لم تعد هذه التفاصيل مجرد تعليمات توجهية، بل جزءًا من ثقافة يومية يصنعها الاحتكاك بلاعبين يأتون من خبرات كبرى الدوريات الأوروبية، وفي هذا السياق، أشار سعود عبدالحميد، سابقا، إلى أن "نسق التدريب ارتفع"، وهي عبارة تختصر نقلة كاملة في أسلوب العمل داخل الفرق السعودية، إذ أن اللاعب السعودي أدرك أن التدريب ليس تكرارًا ميكانيكيًا، بل حوار مستمر بين ما يفكر به داخل الملعب وما يجب أن ينفذه خارجه.

ومع تغير طبيعة التدريب، بدأ التحول الأعمق يظهر في حياة اللاعب خارج الملعب، إذ أصبح الانضباط الذاتي عنصرًا رئيسيًا في يومه؛ فهو يتعامل مع نومه بوصفه جزءًا من أدائه، ويحافظ على غذائه كأنه جزء من خطة اللعب، ويخصص وقتًا لاستعادة الشفاء بنفس جدية أدائه للمران.

وفي هذا المعنى قال نواف العقيدي إن الاحتكاك بالنجوم جعله "يتعامل مع كل يوم كأنه مباراة"، وهي جملة تلخص التحول الذهني الذي أصبح جزءًا من هوية اللاعب؛ فالاحتراف الحقيقي لا يتشكل في ساعة ونصف من التمرين، بل يتشكل في الساعات الـ 24 التي يعيشها اللاعب يوميًا.

فجوة المشاركة.. الحلقة التي لا يكتمل بدونها التحوّل

لكنّ هذا التطور الكبير في العقلية والسلوك يصطدم بتحدٍ لا يمكن تجاهل، إذ يكّمن في قلّة دقائق المشاركة لبعض اللاعبين السعوديين أمام المنافسة الشرسة مع الصفقات الأجنبية؛ فالعقلية الاحترافية التي تُصنع في غرفة الملابس لا تكتمل ما لم تختبر في أرض الملعب، إذ تظهر القيمة الفعلية للهدوء تحت الضغط، لسرعة اتخاذ القرار، وللنضج التكتيكي.

يستطيع اللاعب السعودي اليوم أن يتدرب بمعايير عالية، وأن يعيش الاحتراف بشكل كامل، لكن التطور يحتاج إلى نافذة حقيقية للظهور، ومن دون هذه النافذة، يصبح التحول ذهنيًا فقط، بينما تبقى المهارة في حاجة إلى اختبار فعلي، وهنا يكمن جوهر النقاش، كيف يمكن تحويل مكاسب العقلية الجديدة إلى مكاسب فنية ما لم تُمنح للاعب مساحة كافية للعب؟

المنتخب هو الأكثر استفادة من التحول الذي يعيشه اللاعب السعودي، لكنه أيضًا الأكثر تأثرًا إذا بقيت فجوة المشاركة قائمة؛ فالمنتخب يحتاج لاعبًا جاهزًا من حيث الوعي، لكنه يحتاجه -قبل ذلك- جاهزًا من حيث نسق المباريات.

كيف نستفيد من هذه العقلية الاحترافية الجديدة؟

لأول مرة منذ عقود، يمتلك اللاعب السعودي نموذجًا احترافيًا عالميًا يعيش أمامه كل يوم، وهذا مكسب استثنائي، يمكن البناء عليه عبر مسارات متعددة، وأولى هذه المسارات هو حماية التطور الذهني للاعب من أن يتحول إلى "زخم مؤقت"، إذ يجب أن تتحول العقلية الجديدة إلى ثقافة دائمة تُنقل إلى الفئات السنية، وإلى منظومة تدريب تستثمر في التفاصيل التي لم تكن تُعامل سابقًا بأولوية، أما المسار الثاني يكمن في إدارة المنافسة بين اللاعبين المحليين والأجانب بحيث تكون منافسة “رافعة” لا “مانعة”، وهو ما يتطلب حلولًا فنية تمنح اللاعب السعودي فرصًا حقيقية للظهور، وفي جانب المسار الثالث فهو ربط هذه العقلية بخطط تطوير شاملة للمنتخب، بحيث يصبح اللاعب المحلي مهيّأ ذهنيًا وفنيًا لخوض البطولات الكبرى.

الخاتمة: عقلية جديدة.. ومسؤولية مشتركة

اليوم يقف اللاعب السعودي على عتبة مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الكرة المحلية؛ فقد تغيّرت بيئته، وتغيّرت طرق تدريبه، وتبدّلت نظرته للعبة، وأصبح الاحتراف بالنسبة له سلوكًا يوميًا لا شعارًا نظريًا، لكنّ هذا التحول الذهني يحتاج إلى مساحة كافية ليظهر أثره؛ فاللاعب الذي بنى عقلية احترافية جديدة يجب أن يجد الفرصة ليختبرها داخل الملعب، لأن كرة القدم -في النهاية- تُحسم في 90 دقيقة لا في 90 تدريبًا.

لقد تغيّرت العقلية.. ويبقى أن تتحول هذه العقلية إلى نتائج، وإلى قيمة مضافة للدوري والمنتخب، وهذه مسؤولية تتشارك فيها الأندية، اللاعبون، والجهات الفنية، حتى تكتمل القصة التي بدأت في صباح ضبابي مع لاعب سعودي اكتشف أن بداية التحول تبدأ حين يرى قدوة أمامه، لا حين يسمع عنها.

مراد هوساوي أثبت جودته حين وجد الفرصة
سالم مثال لاحترافية اللاعب السعودي
الجوير أحد مواهب الكرة السعودية
نجوم الدوري أداة مساعدة للتطوّر
تقلّص دقائق اللعب للاعب السعودي أكبر التحديات
الرياض - طلال العضياني


إقرأ المزيد