جريدة الرياض - 12/5/2025 1:19:08 AM - GMT (+3 )
الأندية بدأت تنظر للشباب كأصول يمكن تطويرها واستثمارها رياضيًا واقتصاديًا
أكاديمية سيكسال ربحت 800 مليون يورو من بيع اللاعبين الشباب
بلغ عدد اللاعبين المشاركين في دوريات الفئات السنية في السعودية 3000 لاعبًا
أكاديمية بينفيكا الأولى عالمياً في إنتاج اللاعبين المحترفين في الدوريات الكبرى
شهدت كرة القدم السعودية خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا لافتًا في بنيتها التنافسية والاستثمارية، بالتزامن مع إنفاق ضخم لجذب اللاعبين العالميين وتطوير بيئة الدوري المحلي، الأمر الذي سلط الضوء على حاجة الأندية إلى بناء منظومة أكثر استدامة لا تعتمد فقط على الاستقطاب الخارجي، بل على تطوير قاعدة محلية من المواهب القادرة على حمل هوية الكرة السعودية لسنوات طويلة، وفي قلب هذا التحول ومن صميم هذه الحاجة تبرز قيمة إحدى أكثر المناصب تأثيرًا خلف الكواليس، وهو منصب كشاف المواهب، هذه المهنة التي تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها في الواقع تمثل بوابة رئيسة لإعادة تشكيل مستقبل الأندية وبناء روافد مستدامة للنجاحات الفنية والاقتصادية للكرة السعودية.
على صعيد البنية التحتية تشير جميع الأرقام والإحصائيات إلى وجود تزايد ملحوظ في المؤشرات العامة على وجود بنية تحتية متنامية لتطوير المواهب في السعودية فبحسب تقرير نشر من الاتحاد السعودي لكرة القدم لعبت مراكز التدريب الإقليمية دورًا محوريًا في الإسهام خلال موسم 2022 - 2023 في انتقال 311 موهبة إلى مراحل أعلى، وتم تنفيذ أنشطة هذه المراكز عبر 28 مركزًا تدريبيًا موزعة على 17 مدينة في المملكة، وهي تغطية جغرافية واسعة في سبيل محاولة توفير فرص متكافئة للمواهب الناشئة، وقد برزت مراكز مكة المكرمة، تبوك، ينبع، القصيم، والعلا في صدارة المراكز المنتجة للاعبين، بعد أن قدمت أكبر عدد من المواهب المنتقلة للأندية، ما يشير إلى جودة العمل الفني والبنية التحتية في هذه المناطق.
ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تبلغ قيمتها القصوى ما لم يمتلك كل ناد سعودي شبكة كشافين حقيقية تستفيد من هذه البنية وتحوّلها إلى منتجات فنية داخل الملعب، خصوصًا مع التوجه العام الذي تنتهجه الأندية السعودية مؤخرًا على صعيد تعاقداتها المحلية والأجنبية، فمع قرار المواليد الذي يسمح للأندية بالتعاقد مع لاعبين اثنين تحت سن 21 عامًا أصبحت الأندية تبحث عن المواهب الشابة التي تخدم الفريق لسنوات طويلة، وما يجب ذكره أنه قبل هذا القرار نجح النادي الأهلي بترسيخ هذه الصورة الاستثمارية الصحيحة بعد أن نجح بخطف غابري فيغا في صيف 2023 بعقدٍ بلغ 12 مليون يورو سنوياً من نابولي الذي كان قريبًا من التعاقد معه، كما نجح نادي النصر كذلك بالتعاقد مع اللاعب أنجيلو غابرييل قادمًا من تشلسي وبعمر لم يتجاوز الـ 19 عاما، وكذلك يوناي هيرنانديز الذي انتقل للاتحاد بعمر الـ 20 عاما، وهي أمثلة واضحة على أن الأندية السعودية بدأت تنظر للاعبين الشباب كأصول طويلة المدى يمكن تطويرها واستثمارها رياضيًا واقتصاديًا، غير أن التعاقد مع المواهب الواعدة من الخارج لا يقلّل من أهمية اكتشاف المواهب المحلية، بل يبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز هذا الجانب داخل المملكة، خصوصًا مع توفر قاعدة شبابية ضخمة، فبحسب تقرير الهيئة العامة للإحصاء يشكل الشباب بين 15 و34 عامًا ما نسبته 35.9 % من إجمالي سكان المملكة، وهي نسبة مرتفعة تعني أن المملكة تمتلك احتياطيًا بشريًا هائلًا يمكن استثماره رياضيًا إذا وُجدت منظومة كشف فعّالة تعتمد على الرصد المبكر والمتابعة الدقيقة.
ووفقًا لتقريرٍ منشور من قبل الاتحاد السعودي لكرة القدم بلغ عدد اللاعبين المشاركين في مختلف دوريات الفئات السنية تحت 18 عامًا، تحت 17 عامًا، تحت 16 عامًا، تحت 15 عامًا، قرابة 2772 لاعبًا، هذا الارتفاع العددي رغم كونه مؤشرًا إيجابيًا على توسع القاعدة، إلا أنه يكشف في الوقت ذاته فجوة كبيرة بين حجم المواهب المتاحة وبين عدد اللاعبين الذين يصلون فعليًا إلى الفرق الأولى، وهي فجوة تُعزى بشكل مباشر إلى غياب منظومة كشف منهجية داخل الأندية قادرة على غربلة هذا العدد الهائل وتحويل الأفضل إلى أصول رياضية قابلة للنمو.
ويتضح أثر هذا الغياب من خلال مقارنة بسيطة مع تجارب عالمية ناجحة، فمثلًا تصدّرت أكاديمية بينفيكا البرتغالي التصنيفات العالمية في 2025 باعتبارها أكثر أكاديمية منتِجة للاعبين المحترفين في الدوريات الكبرى، حيث أظهر التقرير الأخير للمركز الدولي للدراسات الرياضية أن العملاق البرتغالي يتصدر تصنيف 2025 بواقع 93 لاعبًا تخرّجوا من أكاديمية سيكسال ويلعبون حاليًا بشكل احترافي، متقدمًا على برشلونة الذي يضم 76 لاعبًا وريفر بلي 97 لاعبًا، ليس ذلك فحسب فعلى صعيد العائد المالي من هذا النموذج تعتبر أكاديمية بينفيكا الأولى في قائمة ربح الأكاديميات حول العالم من بيع اللاعبين الشبان بواقع 743 مليون يورو وفقًا لتقرير نشر عبر الموقع المختص في الانتقالات ترانسفير ماركت، وفي هولندا تستمر أكاديمية أياكس في إثبات جدواها فبحسب تقرير آخر للمركز الدولي للدراسات الرياضية أياكس لديها أكبر عدد من اللاعبين المدربين محليًا ممن يلعبون في المسابقات الأوروبية الكبرى بواقع 85 لاعبًا في موسم 2023، أما في إسبانيا فتعد أكاديمية برشلونة "لا ماسيا" نموذجًا تاريخياً لتخريج نجوم عالميين، حيث أنتجت روادًا وأساطير للعبة مثل ليونيل ميسي وأندريس إنييستا وتشافي هيرنانديز، وهي تجربة تثبت أن الجودة في الكشف والتدريب على الفئات العمرية اليافعة يمكن أن تثمر على أعلى المستويات، وكل هذه الأمثلة تؤكد بشكل واضح أن وجود أكاديمية مجهزة وكشافين محترفين ليس ترفًا، بل ركيزة إنتاج مستدام لإنتاج لاعبين جاهزين للمستوى الأعلى، وتوفير مورد مالية قوية أشبه بمنجم الذهب عبر بيع هذه المواهب، وتحقيق عائد استثماري حقيقي، كما أن هذه الأمثلة تظهر طرق عمل متقدمة في الكشف والتطوير، منها الاعتماد على شبكة كبيرة من الكشافين تغطي مناطق متعددة كما في أكاديمية بينفيكا التي لديها مراكز متعددة لاستقطاب اللاعبين في البرتغال وخارج البرتغال، بالإضافة إلى ذلك التركيز على انتقاء اللاعبين منذ أعمار مبكرة فكثير من المواهب في هذه الأكاديميات تُضمّ للمشروع منذ طفولتهم أو سن المراهقة المبكرة (نحو الفئة 8 - 10 سنوات أو 11 - 13 حسب توزيع عمر التسجيل في بعض الأندية) وهو ما يُعد من أكثر الفترات إنتاجاً من حيث خلق قيمة مستقبلية للاعب، بجانب ذلك التنظيم الداخلي الذي يربط الأكاديمية بالفريق الأول أو بالفريق الاحتياطي بحيث يكون هناك مسار واضح من اكتشاف الموهبة إلى الاحتراف على سبيل المثال ما يحدث في أكاديمية بينفيكا التي تهدف إلى إدخال لاعبين الأكاديمية إلى الفريق الأول بشكل دوري وذلك وفقًا لتصريحات إداريين الأكاديمية.
من جهة أخرى، هذه الأمثلة تُظهر تبعات واضحة في غياب مثل هذه الشبكات فالأندية غير المنظمة في كشف المواهب غالبًا لا تملك تدفقًا مستمرًا للاعبين الشباب، وتعتمد على سوق الانتقالات الخارجية التي تكون فيه التكلفة أكبر وذات جدوى أقل على المدى الطويل.
إقرأ المزيد


