قصة للأطفال حوار بين حاسوب وكتاب
صحيفة هتون الإلكترونية -

قصة للأطفال حوار بين حاسوب وكتاب

سَعِيدٌ مُعَلَّمٌ نَشِيطٌ مَرِحٌ وَ حَنُونَ يُحِبُّ عَمَلَهُ كَثِيرًا، يَهْوَى قِرَاءَةَ الْكُتُبِ لَكِنَّهُ لَاحَظ عزوف تلاميذه عن المطالعة وولعهم الكبير بالأجهرَةِ الْإِلكْتُرُونِيَّةِ، فَحَزَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ وَ قَرَّرَ تَوْعِيتهم بأهمية الكتاب وحثهم على المطالعة بِطَرِيقَةٍ ذَكِيَّةٍ لَعَلَّهُ يُصْلِحُ سلوكهم.

فَسَأَلَهُمْ قَائِلًا: أَيُّهَا الأطفال الأعزاء أَيُّهُمَا تُفَضِّلُونَ الْحَاسُوبَ أَمْ الْكِتَابَ “؟ رد التلاميدُ بِصَوْتِ وَاحِدٍ دُونَ تَفْكِيرٍ نحن جيل الانترنات نُفَصِّلُ الْحَاسُوبَ يَا سَيِّدِي”.

ارْدَفَ الْمُعَلِّمُ وَهُوَ مُسْتَذْكِر: الْحَاسُوبُ ! وَلَكِنْ لِمَاذَا؟.

أَجَابَ الأَطْفَالُ بِحَمَاس: إِنَّهُ يُسَلِّينَا كَثِيرًا يَا سَيدي ببرامجه المتنوعة والكثيرَةِ وَ هُوَ أَيْضًا يُسَهِّلْ عَلَيْنَا سُرْعَةِ الْوُصُولِ إِلى كم هائل من المعلومات دون تعبٍ أَوْ مَشَقَّةٍ، كَمَا أَنَّهُ يَحْتَوِي على العديد من الألعاب الإلكترونية المسلية”.

فَجَاءَ رَفَعَ الْحَاسُوبُ رأسه متباهيا بِنَفْسِهِ و قَيقَهُ بِصَوْتٍ سَاخِرِثُمَّ قَالَ: ارَأَيْتَ أَيُّهَا الكِتَابُ المُهمل …. الكل يُفصلني عنك، لققَدْ انْتَهَى دَوْرُكَ وَ لَمْ يَعْدُ الإنسان في حاجة إليك، فأنا الحَاسُوبُ الَّذِي غَيْرَتُ الْعَالَمَ مُنْذُ أَنْ تَمَّ اخْتِرَاعِي وتطويري عبر مراحل عديدة إلى أن صرتُ على أَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ جَمِيلَةٍ أن الجهاز الذكي، على منافع، يُحبني الصغير والكبير على حَدٌ سَوَاء، أَجُوبُ بِكَ العالم في دقائق مَعْدُودَةٍ، أساعدك على إنشاء علاقاتٍ مِنْ جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْكَوْنِ إِنَّ الإبحار في عالمي لمتعة كبيرة.”

رد الكتاب على الحاسوب بِصَوْتِ جَهْوَرِي قَائِلًا: وأنا الكتاب أملك التاريخ و صاحب الحضارات و قد رَافَقْتُ الْإِنْسَانَ عَلَى مَدَى العصور، أنا الذي ظهرت في روما القديمة منذ آلاف السِّنِينَ، أَنَا الْكِتَابُ الَّذِي حافظت على التاريخ والأدب والفنون ونقلت جميع الْعُلُومِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِكُلِّ أمانة، أنا الكتاب أنيس الإنسان و جليسة فِي كُلِّ مَكَانٍ وَ زَمَانٍ أَنَا الَّذِي نَشَأْتُ مُنْدُ القدم في المدارس والمعاهد أقدم وأقدم دون كلل ولا انتظر مقابلاً كَيْفَ … كَيْفَ لكم أن تنسوا بسهولة فضائلي الكثيرة عَلَيْكُمْ !؟”.

أَرْدَفَ الْحَاسُوبُ وَ عَلى وجهه ضحكة مستفزة ما هاها أَنتَ أَيُّهَا الكِتاب الباني تملك التاريخ و أنا أمْلِكُ الْحَاضِرَ وَالْمُسْتَقْبَل فالجميع متمسكون بي و كلهم يفضلونني علك لأن الحاضر أهم من التاريخ الذي انتهى وَ وَلًی”.

انْزَعْجَ الْكِتَابُ مِنْ كَلَامِ الْحَاسُوبِ كَثِيرًا فَأَجَابَهُ مُسْتَذْكِرًا ، مُحْتَجًا فَقَالَ: أَنْتَ أَيُّهَا الْحَاسُوبُ الْمَغْرُورُ وَ الْمُتَبَاهِي بِنَفْسِكَ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّكَ تَسَبُبْتَ فِي مَشَاكِلَ عَدِيدَةٍ لِلإِنْسَانِ يَاسَيِّدَ عَصْرِكَ؟ الا تَعْلَمُ أَنَّكَ رَغْمَ تَقْرِيبِكَ لِلْمَسَافَاتِ وَ اخْتِصَارِكَ لِلْوَقْتِ قَدْ خَلَقْتَ غُرْبَة بَيْنَ النَّاسِ، فَأَفْرَادُ الْأَسْرَةِ الْوَاحِدَةِ مُغْتَرِبُونَ فِي بُيُوتِهِمْ فَانقَطَعَ الْحِوَارُ بَيْنَهُمْ وَأَنكَبُ كُلُّ فَرْدٍ عَلَى جِهَازِهِ الْإِلكْتُرُونِي الَّذِي يُلَازِمُهُ فِي كُلِّ تفاصيل حَيَاتِهِ فَبَعُدَتْ الْمَسَاقَاتُ دَاخِل الأسر كَمَا أَنَّكَ تُعَلَّمُ الْإِنْسَانَ الْكَسَلَ بِمَعْلُومَاتِكَ الْجَاهِرَةِ وَ السَّهْلَةِ الْمَنَالِ وَ تَجْعَلُ عَقْلَهُ فِي تَبَعِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لَكَ وَ هَكَذَا تُدْخِلُهُ في عالمِ الإِيمَانِ الإلكتروني.

أما أنا فأسَاعِدة عَلَى الْإِجْتِهَادِ وَ الْمُثَائِرَةِ وَ بَذْلِ مجهودٍ لكي أشعرة بأهمية العمل، فالنجاح لا يَأْتِي مِنْ فَرَاعٍ، كَمَا أَنِّي أَثْرِي زَادَهُ المعرفي واللغوي والفكري.

أما أنتَ أَيُّهَا الْجِهَارُ الحَدِيثُ فَتُقَيِّدُ الْإِنْسَانَ بِالصُّورَةِ التي تقدمها له عبر شاشتك، وتَقْرِضُ عَلَيْهِ أَن لا يَنظُرَ إِلَى غَيْرِهَا عَلَى عَكْسِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَأْخُذُكَ إِلَى عَوَالِمِ الْخَيَالِ الرَّحْبِ وَتَجُوبُ بِكَ فِي فَسَحٍ فَكْرِيَّةٍ لَا نِهَايَةً لَهَا حَيْثُ تَصْنَعُ عَالَمَكَ بِنَفْسِكَ، عَالَمًا لا يُشْبِهُ عَالَمَكَ الْافْتِرَاضِي فِي شَيْءٍ”.

اضطَرَبَ الْحَاسُوبُ كَثِيرًا فَقَطعَ كَلامَ الْكِتَابِ وَ قَالَ وَهُوَ يَسْتَشِيطُ غَضَبًا: أنا لست مسؤولا عن دُخُولِ الإنسان في حالة إدْمَانِ، فَالْإِنْسَانُ الْمُسْتَهْتِرُ هُوَ الَّذِي يُصَرُّ بنفسه لأنه لا يَعْرِفُ كيف يستفيد ملي، و هو المتهم و لسْتُ أَنَا، أَنَا بَرِي … أَنَا بَرِيءٌ أَمَّا انت يا كومة الأوراق فلا يُمكنك تغيير الواقع فأنا المُسَيْطِرُ وَ الْمُهَيْمِنُ حَاضِرًا وَ مُسْتَقْبَلًا. أَرَاكَ مَيْتًا مِّنْتَهِبًا لأن الإنسان المُعَاصِرَ تَخَلَّى عَنْ قِرَاءَةِ الْكُتُبِ الْمُرْهَقَةِ وَ اخْتَارَنِي بَدِيلًاعَنكَ وَحُجَجَكَ مَهمَا تَعَدَّدَتْ لَا تُغَيِّرُ الْوَاقِع”.

شَعْرَ الْكِتَابُ بِحَسْرَةٍ شَدِيدَةٍ، فطأطأ رأسَهُ حُزْنًا وَأسَى حِينَئِذٍ تَأْثَرَ التَّلَامِيذُ وَ شَعُرُوا بِالذَّنْبِ تُجَاهَهُ ، فَقَرَّرُوا رَدَّ الاعتبار للكتاب التفوا حولهُ وَرَفَعُوا أَيْدِيهِمْ عَالِيًّا إِلَى السَّمَاءِ وَ جَعَلُوا يُرَدِّدُونَ بِصَوْتِ وَاحِدٍ فِي أَرْجَاءِ الْقَاعَةِ: يَحْيَا الْكِتَابُ، يَحْيَا الْكِتَابُ، نَحْنُ الأطفال زهور اليَوْمِ وَ شَبَابُ الْغَدِ سَنْعِيدُ لَكَ الاعْتِبَارَ، سَنُعِيدُ لَكَ مَجْدَكَ وَ عِزَّتَكَ، نَحْنُ رِجَالُ الْغَدِ وَ نِسَاؤُهَا سَتَطَلُ أَبَيسَنَا و رفيقنا في كُلِّ زمانٍ ومَكانٍ”.

فرح الكتاب بكلام الأطفال كَثِيرًا فَانبسطت على وَجْهِهِ سِيمَاءُ الرِّضَا وَالْإِرْتِيَاحِ وَاشْتَعَلَتْ فِي عَيْنَيْهِ نَظرَة ناطقة بِسَعَادَةٍ كَبِيرَةٍ، وَارْتَسَمَتْ عَلَى شَفَتَيْهِ ابْتِسَامَةٌ عريضة، ما قد عاد له الأملُ مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَ أَنْ كَادَ يَفْقِدُهُ.

رفع الكتاب رأسَهُ عَالِيًا إلى السَّمَاءِ فِي شُمُوحَ وَوَقَارٍ وَنَظَرَ إِلَى التَّلَامِيدَ نَظَرَةً امْتَنَانِ وَاعْتِرَافِ بِالجَمِيلِ، ثُمَّ شكرهُمْ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُمْ بِصَوْتٍ مُتَّزِنٍ هَادِي النبرات وَ أَخِيرًا خَتَمَ الْمُعَلِّمُ سَعِيدٌ الْحِوَارَ الْمُشوِّقَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ لِكُلِّ مِنْكُمَا أَيُّهَا الْكِتَابُ وَ أَيُّهَا الْحَاسُوبُ فَضْلًا كَبِيرًا عَلَى الْإِنْسَانِ لَا تَسْتَطِيعُ أن ننكِرَه، وَ لكِن يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الْبَشر أن نُجِيدَ التَصَرُّفَ تُجَاهَكُمَا لِكَيْ نُحَقَّقَ نَجَاحَنَا وَ أَهْدَافَنَا دُونَ أن نلحق الضرر بانْفُسِنَا، وَ أَنْتُمْ يَا صِغَارِي فَإِنَّ ثِقَتِي كَبِيرَةً فِي حُسْنِ اخْتِيَارِكُمْ لِمَا يَنْفَعُكُمْ لِبِنَاءِ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ.

هدأ الجميع، وسادَ الوفاق والتفاهُمُ الْجَوْ الحَماسِي صَفْقَ الْأَطْفَالُ فَرَحًا وَلَاحَتْ علامات الرضا و القناعَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَقَدْ تَعَلَّمَ الكُلُّ دَرْسًا هَامَّا فَمَهُمَا بَلَغْنَا أَعْلَى درجات التطور لا يمكننا أن لذكر مَزَايَا الكتاب عَلَى الْإِنْسَانِ قَدِيمًا وَ حَدِيثًا.

اقرا المزيد من الموضوعات على صحيفة هتون الدولية من هنا.

قصة للأطفال حوار بين حاسوب وكتاب



إقرأ المزيد