الفاشر المهجورة.. الموت يطل في كل مكان
جريدة الرياض -

لم تعثُر الممرّضة أسماء حسين على أي أثر لأقاربها لدى عودتها إلى الفاشر، بل على جثث تناثرت في كل مكان. ويتكرر وصفها هذا على لسان سكان آخرين وعناصر إغاثة تحدثوا عن مدينة خالية ومنهوبة بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها.

في نهاية أكتوبر، سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور (غرب)، بعد محاصرتها لمدة طويلة، وذلك في هجوم عنيف نفذت خلاله عمليات إعدام ونهب واغتصاب.

ومنذ ذلك الحين، فرضت هذه القوات تعتيما على المدينة وعزلتها عن العالم. ولم تتسرّب سوى معلومات قليلة جدا عنها، ومقاطع فيديو توثق الكثير من الفظائع نشرها مقاتلوها بأنفسهم، وأثارت سخطا دوليا.

وتمكّنت وكالة فرانس برس من التواصل عبر هاتف موصول بالأقمار الصناعية مع اثنين من سكان المدينة، وحصلت على شهادات منظمتين غير حكوميتين زارتاها، كما قامت بتحليل صور الأقمار الصناعية.

في يوم سقوط الفاشر، فرّت أسماء حسين من المدينة مع آخرين، غير أنّ قوات الدعم السريع ألقت القبض عليها في مكان قريب. وبعد دفع فدية تجاوزت 2500 يورو، أطلقت سراحها فقررت العودة إلى المدينة، حيث أمضت خمسة أسابيع بحثا عن أخواتها وزوج أختها وعدد من أقاربها، ولكن بدون جدوى.

وتقول "لا أعرف إذا كانوا محبوسين أو ماتوا"، واصفة الفاشر بأنّها "مدينة مرعبة، مليئة بالجثث".

ليخفوا آثار القتل

أسفرت الحرب المتواصلة منذ أبريل 2023 في السودان، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو عن مقتل عشرات الآلاف ودفعت نحو 12 مليونا إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى خارجها.

ومنذ سقوط الفاشر، نزح منها أكثر من 106 آلاف شخص، بينما لا يزال 70 إلى 100 ألف شخص محاصرين داخلها، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.

توجّهت أسماء إلى منزل أحد جيرانها، بناء على طلبه، حيث عثرت على جثتين تعرّفت عليهما على أنّهما ابنا عمّه.

وتقول إنّ بيتها "دُمّر بالكامل"، مشيرة إلى "حفر كبيرة وعميقة" بالقرب منه "ليخفوا آثار القتل، ليمسحوا كل شي"، وفق تعبيرها.

وتؤكد صور الأقمار الصناعية التي حلّلتها فرانس برس هذه الرواية، حيث يظهر عدد متزايد من الآثار على الأرض لما يبدو أنّها قبور، على مساحة 3600 متر مربع.

يقول متطوّع في الهلال الأحمر طلب عدم الكشف عن هويته، إنّ فريقه دخل إلى المدينة في الرابع من ديسمبر وقام بدفن "بقايا الجثث المتناثرة" في الشوارع وداخل بعض الأبنية، مشيرا إلى تلقي بلاغات يومية عن وجود مزيد من الجثث.

وفي نهاية نوفمبر، حدد تحليل الأقمار الصناعية الذي أجراه مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل "أكواما من الأشياء التي تتوافق مع جثث بشرية" تمّ نقلها أو دفنها أو حرقها، وفقا لمدير المركز ناثانيال رايموند.

من جانبه، يؤكد برنامج الأغذية العالمي أنّ المعلومات المحدودة المتاحة عن ظروف الحياة في الفاشر "تتجاوز الرعب"، مستندا الى شهادات عن جثث متفحّمة وأسواق مهجورة وطرق مليئة بالألغام.

خالية تماما

نزح إسماعيل إلى قرية قرني غرب الفاشر لعدّة أسابيع، ثم عاد إلى المدينة. ويقول إنّه لدى وصوله، لم يجد أمامه سوى شوارع خالية، مشيرا إلى أنّ بيته "جزء منه مدمّر... وطبعا لم نجد أغلب عفشنا (أثاث المنزل)".

ويضيف "المنطقة خالية تماما. حتى لو خرجت كي أُحضر شيئا أكون خائفا على من هم في البيت".

وتظهر الصور التي تحققت منها فرانس برس غيابا كاملا للحركة في الأسواق الأربع الرئيسة في المدينة في منتصف ديسمبر.

وكان سكان المدينة وجدوا أنفسهم، طيلة فترة محاصرتها، محرومين من المساعدات الإنسانية بينما نفدت لديهم المواد الغذائية، فاضطروا إلى تناول علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.

في حديث إلى فرانس برس، تقول منظمة "الملم للسلام والتنمية" وهي من المنظمات غير الحكومية القليلة المصرّح لها بالدخول إلى الفاشر، إنّها وزعت مواد غذائية وبطانيات في الثاني من ديسمبر، حيث لاحظت "نقصا حادا" في المياه والغذاء والدواء.

روايات ملفّقة

وفي المدينة، كما هي الحال على طول طرق النزوح، تمّ تسجيل العديد من حالات الاختطاف من قبل منظمة أطباء بلا حدود، التي تعمل فرقها في مدينة الطويلة على بعد 70 كيلومترا غربا.

وتقول ميريام العروسي منسقة الطوارئ في أطباء بلا حدود لفرانس برس، "تحاول قوات الدعم السريع إبقاء السكان في الداخل" ويُجبر العديد ممّن يحاولون الفرار على العودة.

أمّا الذين تمكّنوا من الخروج، فيروون مشاهد تعذيب أو إطلاق نار يتعرّض لها رجال، وعائلات أُجبرت على دفع فدية، وآباء قُتلوا تاركين أطفالهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم.

أحد عناصر قوات الدعم السريع أبو لولو سفاح الفاشر


إقرأ المزيد