السعودية شريك محوري في الاستقرار الإقليمي والدولي
جريدة الرياض -

العلاقة مع المملكة بناءة وتتسع نحو الشراكة الاستراتيجية

الأمن السيبراني والتحول الرقمي أكبر جسور التعاون المقبل

تقف ليتوانيا عند بوابة الشمال الأوروبي كأحد أكثر النماذج حداثة وفاعلية داخل فضاء الاتحاد الأوروبي، دولة نجحت في أن تمزج بين عمق إرث دوقيات شرق أوروبا وبين ديناميكية اقتصاد رقمي متسارع يضع الابتكار في صميم نموها الوطني. فمنذ استقلالها مطلع التسعينيات، أعادت بناء مؤسساتها على أسس الانفتاح والتحول الرقمي والتعليم المتقدم، لتكرس مكانتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وتقدم نموذجًا متماسكًا لدولة صغيرة نجحت في صياغة هوية اقتصادية متطورة تحظى بثقة الأسواق العالمية.

وفي خضم هذا التحول، برزت فيلنيوس بوصفها مركزًا صاعدًا في الأمن السيبراني والخدمات المالية التقنية وحلول الحكومة الإلكترونية، مانحة التجربة الليتوانية بعدًا إضافيًا يقوم على قدرة الدولة على المواءمة بين أصالة الهوية وتطلعات الحداثة. هذا الاتساق بين الماضي والمستقبل يشكل خلفية مهمة لفهم مسيرة سعادة السفير راموناس دافيدونيس، أحد أبرز دبلوماسيي بلاده خلال العقود الثلاثة الماضية، والذي عمل عبر محطات متعددة في ملفات أوروبا والشرق الأوسط والأمن الدولي وسياسات الناتو، مكتسبًا رؤية واسعة لطبيعة التحولات العالمية.

ويؤكد السفير أن عمله في منطقة الخليج يمثل إحدى أهم مراحل مسيرته المهنية، في ظل ما تشهده العلاقات بين الرياض وفيلنيوس من توسع لافت في السياسة والاقتصاد والتعليم والتقنية. ويرى أن العلاقة بين البلدين باتت «بناءة وتحمل طموحًا متزايدًا»، نتيجة تعزيز الحوار السياسي، وتنامي الاتصالات التجارية، وتكثيف مسارات التعاون الاستراتيجي. كما يولي اهتمامًا خاصًا باستقطاب الطلبة السعوديين إلى الجامعات الليتوانية، خصوصًا في مجالات الطب والهندسة والتكنولوجيا، لما يمثله التعليم من جسر طويل المدى بين المجتمعين.

وفي هذا اللقاء، يتحدث سعادة سفير جمهورية ليتوانيا لـ»الرياض» عن مسيرته الدبلوماسية ورؤية بلاده للعلاقة مع المملكة، وقد خلص الحوار إلى إبراز متانة الروابط الثنائية وما تشهده من تطور متسارع في الحوار السياسي، إلى جانب تنامي الشراكات الاقتصادية في التكنولوجيا والأمن السيبراني والطاقة المتجددة وسلاسل الإمداد الغذائي. كما تناول الدور المحوري للمملكة في ترسيخ الاستقرار الإقليمي وأمن البحر الأحمر، إضافة إلى آفاق التعاون الأكاديمي والبحثي واستقطاب الطلبة السعوديين، بوصفها مسارات تعزز فرص بناء شراكة أوسع بين الجانبين.

  • بدايةً، نود أن نتعرّف على محطاتكم المهنية البارزة في السلك الدبلوماسي؟

  • لقد خدمت أكثر من ثلاثة عقود في العمل الدبلوماسي الليتواني، تنقلت خلالها بين ملفات الشؤون الأوروبية، وقضايا الشرق الأوسط، والأمن الدولي بما في ذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو). وكان عملي الأخير في منطقة الخليج ذا أهمية خاصة نظرًا لتنامي دور المنطقة عالميًا. ويعد تكليفي بتمثيل ليتوانيا في الإمارات والسعودية إحدى المحطات الفارقة في مسيرتي.

  • كيف تصفون طبيعة العلاقات الدبلوماسية بين ليتوانيا والمملكة، وما أبرز تطوراتها؟

  • العلاقة بين بلدينا بناءة وتحظى بالاحترام وتتجه لتصبح أكثر طموحًا، وخلال السنوات الأخيرة شهدنا تعزيزًا للحوار السياسي وتوسعًا للروابط التجارية وفتح قنوات جديدة للتعاون، كلا الجانبين يدرك تمامًا حجم الفرص المتاحة.

  • ما أبرز قضايا التعاون السياسية بين البلدين؟

  • ترى ليتوانيا أن هناك فرصًا واعدة للتعاون في قضايا الاستقرار الإقليمي وتعزيز المرونة الاقتصادية عالميًا. وعلى الصعيد الدولي، يتقاطع اهتمام البلدين في دعم المؤسسات متعددة الأطراف، وتعزيز النظام الدولي القائم على القواعد. وهذا يفتح الباب لحوار استراتيجي أوسع.

  • كيف تؤثر عضوية ليتوانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على علاقاتها مع السعودية؟

  • هذه العضوية تمنحنا منظورًا مزدوجًا، وطنيًا وأوروبيًا، في تعاملاتنا مع المملكة. ومن خلال إطار الاتحاد الأوروبي يمكننا الإسهام في ربط السعودية بمبادرات في مجالات الابتكار والتعليم والتجارة والاستدامة. وهذا يعزز قدرتنا على الإسهام بفاعلية أكبر في الشراكة الثنائية.

  • كيف تنظر ليتوانيا إلى دور السعودية في ضمان الاستقرار الإقليمي؟

  • تقدّر ليتوانيا الدور المسؤول الذي تقوم به المملكة في حماية الأمن البحري وخفض التوترات الإقليمية. هذه الجهود أساسية لضمان انسياب التجارة العالمية واستقرار الاقتصاد الدولي. ونحن نثمّن الشركاء الذين يسهمون بشكل بنّاء في أمن المنطقة.

  • إلى أي مدى يمكن للرياض وفيلنيوس تبادل الخبرات في الأمن السيبراني؟

  • يعد هذا المجال أحد أكثر مجالات التعاون الواعدة. فقد طورت ليتوانيا خبرة عميقة في تعزيز الصمود السيبراني، بينما تتحول السعودية إلى مركز عالمي رقمي. وهناك إمكان حقيقي لشراكات طويلة الأمد بين المؤسسات والقطاع الخاص.

  • ما أبرز الفرص الاقتصادية بين السعودية في ليتوانيا؟

  • تقدم ليتوانيا بيئة مستقرة قائمة على الابتكار ضمن السوق الأوروبية الموحدة. وتبرز مجالات مثل التكنولوجيا المالية، الأمن السيبراني، التصنيع المتقدم، الطاقة المتجددة، والصناعات الزراعية الغذائية كقطاعات ذات منفعة متبادلة.

  • كيف يمكن للشركات الليتوانية الاستفادة من التحولات الاقتصادية في المملكة ضمن رؤية 2030؟

  • توفر رؤية 2030 فرصًا كبيرة للشركات ذات الخبرات في الرقمنة والصناعة الذكية وتقنيات التعليم والأنظمة الغذائية المستدامة. والشركات الليتوانية مرنة ولديها خبرة في الأسواق العالمية التنافسية، ونرى تكاملًا واضحًا مع التحول الذي تشهده المملكة.

  • هل توجد مشاريع أو مفاوضات اقتصادية قائمة بين البلدين؟

  • لدينا محفظة متنامية من الاتصالات التجارية، تدعمها شراكات بين الغرف التجارية. كما يجري بحث مشاريع في قطاعات مثل اللوجستيات والتقنية وإنتاج الغذاء. والزخم الحالي مشجع ويتوسع باستمرار.

  • ليتوانيا تعد من الدول المتقدمة في التكنولوجيا والخدمات الرقمية، كيف يمكن نقل هذه التجارب إلى السوق السعودية؟

  • توفر الشركات التقنية الليتوانية حلولاً قابلة للتكيف مع احتياجات السعودية، خصوصًا في الحكومة الإلكترونية والهوية الرقمية والتكنولوجيا المالية والصمود السيبراني. وهي معتادة على التعاون الدولي، وجاهزة لعقد شراكات مع المؤسسات السعودية. وطموح المملكة يتوافق تمامًا مع قدراتنا.

  • ما رؤيتكم لإمكانات التعاون في الزراعة والأمن الغذائي وسلاسل الإمداد؟

  • الأمن الغذائي أولوية مشتركة. ويمكن لليتوانيا أن تقدم منتجات عالية الجودة وتقنيات زراعية حديثة وحلولًا لسلاسل الإمداد تربط منطقة البلطيق بالخليج. ويعد هذا المجال من أكثر المجالات العملية والنافعة للطرفين.

  • ما أبرز الوجهات السياحية الليتوانية؟

  • تقدم العاصمة فيلنيوس تاريخًا وثقافة ومشهدًا فنيًا نابضًا. والمشهد الفني الحيوي كما تعد “كورونيان سبيت” (المسجل ضمن اليونسكو) وساحل البلطيق وجهات مثالية للصيف. وتتميز ليتوانيا بالطبيعة الهادئة والبيئة الصحية والآمنة، مما يجعلها خيارًا أوروبيًا مفضلًا للسعوديين.

  • هل هناك خطط لتسهيل التأشيرات أو إطلاق رحلات مباشرة لتعزيز السياحة؟

  • نواصل دراسة السبل العملية لتسهيل السفر وتحسين الربط. فتعزيز الحركة بين البلدين يعد أولوية طويلة الأمد تعود بالفائدة على السياحة والأعمال معًا.

  • كيف يمكن تعزيز التعاون الثقافي بين ليتوانيا والسعودية؟

  • يمثل التعاون الثقافي جسرًا طبيعيًا بين مجتمعينا. ونشهد اهتمامًا متزايدًا بالتبادل الفني، والشراكات الأكاديمية، والتعاون في الصناعات الإبداعية. مثل هذه المبادرات تعمق الفهم المتبادل وتبني الثقة على المدى الطويل.

وأود التأكيد على أن كليات الطب في جامعة فيلنيوس وجامعة كاوناس للعلوم الصحية تقدم برامج حديثة معتمدة دوليًا، وتدريبًا سريريًا متقدمًا، وبيئة مرحبة تجعلها خيارًا مناسبًا للطلاب السعوديين الطموحين.

  • هل تقدم ليتوانيا برامج تعليمية أو منحًا للطلاب السعوديين؟

  • توفر الجامعات الليتوانية برامج عالية الجودة باللغة الإنجليزية في الطب والهندسة والتقنية وإدارة الأعمال. ونحن نرحب بزيادة عدد الطلاب السعوديين، ومستعدون للعمل مع الشركاء السعوديين للتعريف بالخيارات المتاحة، فالتعليم أحد أكثر مجالات التعاون استدامة.

  • ما المشروع المشترك خلال السنوات الخمس المقبلة؟

  • قد يبرز مشروع رائد في الابتكار أو الاستدامة أو التعليم ليكون محورًا طويل الأمد للشراكة. فكلا البلدين يمتلك الطموح والقدرات لابتكار مشروع نوعي. ونرى أيضًا إمكانية للتعاون الثلاثي الذي يدعم الاستقرار العالمي، بما في ذلك الجهود المرتبطة بإعادة إعمار أوكرانيا.

راموناس دافيدنيس يتحدث عن فرص الاستثمار بين البلدين


إقرأ المزيد