عقوبات أميركية على شبكات تجنيد كولومبيين بالسودان وملف انتهاكات الدعم السريع يعود للواجهة
جريدة الرياض -

أعاد تقرير وزارة الخزانة الأمريكية الصادر حديثًا حول فرض عقوبات على شبكات تعمل على تجنيد كولومبيين للقتال في السودان ضمن صفوف قوات الدعم السريع، تسليط الضوء على واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية دموية وتعقيدًا منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023.

وجاء التقرير ليكشف، بحدة غير مسبوقة، طبيعة الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع وميليشياتها المتحالفة، مبرزًا مسارًا طويلًا من الاستهداف الممنهج للمدنيين وعرقلة الجهود الإنسانية، وصولًا إلى الفظائع المرتكبة في مدينة الفاشر خلال العام الماضي.

وفق ما أوردته وزارة الخزانة، فقد استهدفت العقوبات الجديدة شبكات تعمل خارج السودان لتوفير مقاتلين أجانب — خصوصًا من كولومبيا — لدعم قدرات الدعم السريع القتالية.

ويعكس هذا الإجراء إدراكًا دوليًا متصاعدًا لخطورة تغوّل هذه القوات واعتمادها على عناصر مرتزقة في تنفيذ عملياتها، خصوصًا بعد تورّطهم المباشر في الهجوم على الفاشر في أكتوبر 2025.

ومنذ اندلاع الحرب، وثّقت تقارير أمريكية ودولية سلسلة واسعة من الانتهاكات التي وصفت بأنها «ممنهجة وواسعة النطاق». فقد دأبت قوات الدعم السريع، بحسب التقرير الأمريكي، على استهداف المدنيين بصورة متكررة، وقتل الرجال والأطفال — بل حتى الرضّع — في هجمات اتسمت بالقسوة الشديدة والنزعة الانتقامية.

كما سجّلت منظمات حقوقية اعتداءات متعمدة على النساء والفتيات شملت الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، في نمط يكشف استخدام العنف الجسدي كأداة ترهيب وكسر للنسيج الاجتماعي في المناطق الخارجة عن سيطرة الدعم السريع.

وفي الوقت الذي حاولت فيه قوات الدعم السريع في الأشهر الماضية تقديم رواية «مخففة» لعملياتها العسكرية والإنسانية، أكدت تقارير الحكومة الأمريكية أن الانتهاكات لم تتوقف، بل تصاعدت على نحو مأساوي في مدينة الفاشر.

فبعد حصار امتد 18 شهرًا، شنّت قوات الدعم السريع هجومها الأعنف على المدينة في 26 أكتوبر 2025، مدعومةً بمقاتلين كولومبيين جرى استقدامهم ضمن الشبكات التي استهدفتها العقوبات الأخيرة.

وأسفرت العملية عن سيطرة كاملة على الفاشر، تلاها مباشرة تنفيذ عمليات قتل جماعي للمدنيين، وتعذيب ذو طابع عرقي، إضافة إلى موجة جديدة من العنف الجنسي الواسع.

كما وثّق التقرير الأمريكي أن قوات الدعم السريع لم تكتفِ بالاعتداءات المباشرة، بل منعت المدنيين من الوصول إلى المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وذلك عبر فرض حصار خانق وعرقلة دخول الإغاثة، في مخالفة صارخة لقوانين الحرب والالتزامات الدولية تجاه حماية السكان.

وتكتسب التحركات الأمريكية الأخيرة أهمية مضاعفة في ضوء ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية في 7 يناير 2025، حين خلصت في تقييم رسمي إلى أن أفرادًا من قوات الدعم السريع قد ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية.

ويعزز هذا الإعلان — المنسجم مع معطيات منظمات أممية ومراقبين دوليين — الضغوط السياسية والقانونية على قيادة الدعم السريع وشبكات الدعم الإقليمي والدولي المرتبطة بها.

ويبدو أن التقرير الأخير لوزارة الخزانة يأتي كخطوة جديدة ضمن نهج أمريكي متصاعد يستهدف محاصرة مصادر تمويل الدعم السريع، وتعطيل قدرته على استقدام المرتزقة، والضغط من أجل وضع حد للانتهاكات التي دفعت السودان إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

وفي ظل استمرار غياب الحلول السياسية ومحدودية الوصول الإنساني، يبقى السؤال الأهم: هل تكفي هذه العقوبات لكبح تصعيد الدعم السريع ووقف دائرة العنف التي تحاصر المدنيين منذ أكثر من عامين؟



إقرأ المزيد